ربما اعتدت على الممارسات المرتبطة بعمليات التخطيط سواءً كان تخطيطاً إستراتيجياً أو تخطيطاً تكتيكياً أو تشغيلياً، أو كما يحلو للبعض تقسيم تلك الممارسات إلى تخطيط طويل الأمد، متوسط الأمد، وقصير الأمد. وما يرافق ذلك من أهداف وأولويات ومشاريع ومبادرات وغيرها من مكونات التخطيط.

إذا كنت من العاملين في حقول الإدارة خلال الفترة القادمة، فإنك ستشهد التغيير الجذري الذي سيطرأ على مهام التخطيط، ستتغير هذه العملية بشكل مذهل نحو البساطة، فكل ما ستحتاجه أن تضع هدفاً تريد تحقيقه قد يكون هدفاً شخصياً أو هدفاً للمؤسسة التي تمتلكها أو تديرها، وما عليك بعدها إلّا الاختيار من بين ما ستطرحه عليك الأنظمة الذكية من اقتراحات لتحقيق هذا الهدف. ستكون هذه الاقتراحات متدفقة بشكل مستمر، ومبنية على تحليلات معقدة وكميات ضخمة من البيانات التي يتم معالجتها وتشكيلها على هيئة خيارات بسيطة واضحة، لن تضطر إلى إجراء التحليلات كالتحليل الرباعي، أوتحليل البيئة الخارجية، أو حتى وضع السيناريوهات المختلفة، سيتم كل ذلك بالنيابة عنك وبدقة وقدرة كبيرتين، وذلك بناءً على معلومات آنية ومعقدة ستحتاج شهوراً لتقوم بها بنفسك أو عن طريق فريق عملك. 

لن نرى في المستقبل التصاميم الجميلة للرؤية والرسالة والقيم المؤسسية أو حتى الخارطة الاستراتيجية، ستصبح الرسالة والقيم المؤسسية محددة سلفاً لقطاع الأعمال والقطاعات الأخرى ومدمجة في الأنظمة بحيث لا تقترح هذه الأخيرة إلّا ما يتوافق معها، وستتحول الخارطة الإستراتيجية إلى خريطة رقمية تفاعلية تتغير بين ساعة وأخرى حسب المعطيات والتحليلات الواردة، كما أن المراجعات الإستراتيجية ستصبح شيئاً من الماضي وموضوعاً للتندر وضرب المثل في الأنظمة القديمة التي كان يُعمل بها.

إن تبسيط الممارسات الإدارية وزيادة كفائتها وفعاليتها اعتماداً على القدرات التقنية الهائلة التي ستكون متاحة في المستقبل بتكاليف زهيدة، سيؤدي إلى دمج العديد من التخصصات والتقسيمات المرتبطة بعملية التخطيط، فالتخطيط حسب المدة الزمنية  أو حسب المستوى الإداري الذي يشارك به لن يكون جزءاً من المستقبل، كذلك فإن أعمال أخرى مثل إدارة المخاطر ستصبح مكوناً عضوياً في أعمال التخطيط يتم ممارستها خلف الستار وبدون الحاجة إلى عمليات أو إجراءات مستقلة خاصة بها، فالخيارات التي ستظهر أمامك كل يوم بخصوص الهدف الذي تريد تحقيقه ستكون قدر مرّت على مرحلة تحديد المخاطر المصاحبة لكل منها، واحتمالية وأثر كل من تلك المخاطر، وأفضل الطرق للتعامل معها، وسيتم التعديل المستمر على القرارات بناءً على المعطيات الجديدة التي يتم رصدها على مدار الساعة، كل ذلك بشكل آلي دون التدخل البشري.

سيحتوي تخطيط المستقبل العديد من الأنشطة الأخرى كالاستشراف، فلن يكن هناك تخطيط من غير استشراف ولا استشراف من غير تخطيط، ولن يكون الاستشراف المستقبلي كما نعرفه اليوم، فستزول الحواجز بين العمل التشغيلي والعمل الإستراتيجي وبين الاستشراف وتسيير العمل اليومي، فسيأخذ الذكاء الفائق بعين الاعتبار ارتباط الماضي بالحاضر بالمستقبل، وكذلك الأشياء الجديدة كلياً التي سنراها لأول مرة وستحدث الكثير من التغيير في فهمنا لواقع العمل والأعمال.

لن تجهد نفسك مستقبلاً في البحث عن منهجية التخطيط المناسبة التي ستطبقها، أو الأدوات والتحليلات التي عليك القيام بها، فجميع تلك المنهجيات والأدوات والتحليلات ستكون متوفرة ومخزنة في الأنظمة، وكذلك النتائج والنجاحات التي صاحبت تطبيقها، وأيضاً التحديات والعثرات التي تعرضت لها، وهذه المعرفة سيتم تعزيزها بشكل مستمر من خلال المعلومات الهائلة التي تتوافد إلى الأنظمة الذكية على مدار الساعة. لن يقف الأمر عند هذا الحد، بل يمكن أن تستيقظ صباحاً لتجد أمامك مقترح بتطبيق نموذج هجين من عدة نظريات أو منهجيات مخصص لك و للهدف الذي تحاول تحقيقه بناءً على كل ما تم جمعه من معطيات.