جميعنا يعلم ضرورة توفر الأكسجين لنستمر في التنفس والبقاء على قيد الحياة، وكثيراً ما نستخدم الأكسجين للدلالة على أهمية شيء ما كأن تقول هذا الشيء مهم بالنسبة لي كما الأكسجين لا أستطيع الاستغناء عنه.

قد لا يعلم البعض أن الأكسجين يشكل 21% فقط من تركيبة الهواء الذي نتنفس، بينما النسبة الأكبر تذهب إلى غازات أخرى مثل النتروجين الذي يشكل حوالي 78% من تركيبة الهواء.

لو بحثنا عن أكسجين النجاح المهني من بين الغازات الأخرى، فإنني أرشّح المثابرة، لأنك مهما نهلت من مصادر العلم والمعرفة، بدون المثابرة لن تستطيع الاستمرار، كذلك مهما كان العمل الذي تقوم به، بدون المثابرة لن تستطيع أن تتقدم وتترك بصمة نجاح.

كما هو الهواء، فإن بيئة العمل مكونة من مجموعة من العناصر بنسب مختلفة، فهناك التحصيل الأكاديمي والخبرات والمهارات والسلوك وغيرها، ويمكن بسهولة أن نخطأ ونعطي لبعض تلك العناصر أهمية أكبر مما تستحق نتيجة التركيز عليها والحديث عنها بشكل مكثّف، كأن نقول أن غاز النتروجين هو الأكثر أهمية لنا لنستمر في التنفس لأنه يشكّل 78% من الغازات في الهواء وهي النسبة الأكبر.

على الرغم من أهمية المثابرة إلّا أننا وفي كثير من الأحيان لا نعطيها حق قدرها، ربما لأنها كما الأكسجين بدون طعم أو رائحة، فالشخص المثابر يعمل بصمت وصبر، ويخوض داخله معارك نفسية عديدة ليستمر فيما هو قائمٌ عليه، بينما من يحصل على شهادة مثلاً، قد يملأ الدنيا طنيناً ورنيناً ويشعر بنشوة الإنجاز لوجود خط نهاية واضح، وشريط زاهي الألوان على هذا الخط ينتظره للاحتفال بوصوله.

كل شيء إن زاد عن حده ينقلب ضده، المبالغة في المثابرة في المكان والزمان غير المناسبين لها تأثرات سلبية مدمرة مهنياً، فعندما نتنفس مستويات مرتفعة من الأكسجين نصاب بفرط التأكسج أو تسمم الأكسجين الذي يمكن أن يؤدي إلى تلف الخلايا والموت، لذلك عليك أن تبذل قصار جهدك لتكون مثابرتك في الاتجاه الصحيح وبالقدر المطلوب.

دعني أختم همستي هذه بنصيحة، فكما يتم تعبأة الأكسجين في قوارير وتوفيره في المستشفيات لمساعدة المرضى عندما يشتد عليهم المرض، ربّما عليك الإبقاء بجوار مكتبك على عدد من قوارير المثابرة لتستنشق منها عندما تشعر بالوهن المهني، أو عندما تحتاج دفعة إلى الأمام.