منذ أن كتب الطبيب النفسي جون غراي الرجال من المريخ والنساء من الزهرة في عام 1992، أصبح هذا الكتاب المرجع الأول لمن يريد أن يعرف المزيد عن الاختلافات النفسية بين الجنسين. فالرجال كما تخيّل المؤلف كانوا يسكنون كوكب المريخ والنساء كوكب الزهرة، اكتشف الرجال كوكب النساء فأتوا إليهم ومن ثم انتقلوا جميعاً إلى كوكب الأرض ليفقدوا الذاكرة والقدرة على حل الخلافات بينهم.

لا أدري ما إذا كنّا نحن السابحين في بحور الإدارة، أو السائرين على شواطئها، تعود أصولنا إلى كوكب آخر، أو أننا قد فقدنا الذاكرة فأصبحنا لا ندرك أسباب الخلاف والاختلاف عن الآخرين متسلقي الجبال وعابري البراري.

ولكني أدري أن المتشبعين بالإدارة فطرةً أو اكتساباً يختلفون عن الآخرين، فنراهم يبدأون بالحلم، ويضعون التخطيط قبل التنفيذ، ويحاولون أن يقفوا بين الفينة والأخرى ليروا ما إذا كانوا على المسار الصحيح، وعندما يريدون السير على الدرب مرتين فإنهم يفكّرون كيف يمكن أن يجعلوا رحلتهم الثانية أجدى، ومسيرهم أهون.

أما شعب اللاإداريين فتبصرهم منهمكون أبداً في العمل هنا وهناك وكأن العمل هو الغاية وليس الوسيلة. ولو نصبت سلّماً واعتليته ومن ثم نظرت إليهم في الأسفل لوجدت بعضهم يدور في دوائر، والبعض الآخر في مربعات. تسألهم عن البداية فيقولون لك “لقد بدأنا”، وتسألهم عن النهاية فيجاوبوك “عندما ننتهي”.

يتغذى اللاإداريون فكرياً على الرفض والنفي، فعندما ينادي الإداري بالتخطيط قبل التنفيذ وصفة للنجاح، يعارض اللاإداري ويصبح أي شيء ما عدا التخطيط قبل التنفيذ مستساغ في نفسه ومقبول في عقله.

لعل الإداريين هم سكان المريخ الأصليين، لقد أصبحنا أقرب إلى التأكد من ذلك بفضل مسبار الأمل بعد نجاح العرب بقيادة الإمارات في الوصول إلى المريخ في فتح علمي كبير.

إلى أن يثبت ذلك، علينا الحرص على التعايش الفكري بين الشعبين الإداري واللاإداري، وعلى الأخذ بيد من استطعنا منهم.