يتوقف انتشار جوائز التميز على الثقافة المجتمعية في الدول، وكذلك النضج الاجتماعي والاقتصادي الذي وجد أنه يتناسب طرداً مع وجود تلك الجوائز، وقد دعم هذا الطرح بحث غطّى 600 مؤسسة في عشرين دولة من خلاصته أن الإطار الاقتصادي والاجتماعي السائد في الدولة يسهم بشكل أساسي في مدى نجاح الطريقة المتبعة في إدارة جوائز التميز.
ولو تساءلنا عمّا وصلت إليه دول العالم في ممارسات هذه الجوائز، سنلاحظ بلا شك الكم المتزايد من حيث العدد، ففي أحد الدراسات التي تم إنجازها في دول الاتحاد الأوروبي تم إحصاء 31 جائزة للجودة والتميز، وفي بحث تم نشره في وقت سابق أحصي 94 جائزة على مستوى العالم، وأيضاً في بحث حديث ما زال لم ينشر بعد تم إحصاء 65 برنامجاً و13 مبادرة تختص بالتميز المؤسسي. (للتوسع في موضوع أعداد الجوائز والنماذج المطبقة يمكن الإطلاع على مقال سابق تم نشره بعنوان “نماذج التميز المؤسسي بين الحاضر والمستقبل“).
ولو وضعنا العدد جانباً ومحصّنا في فعالية تلك الجوائز، والكفاءة التي تدار بها، لوجدنا التباين يلقي بظلال سميكة لا يمكن إغفالها، تحث جميع جوائز التميز بلا استثناء على اعتماد ممارسات الإدارة الرفيعة التي تصل بالمشاركين إلى الغايات المنشودة بشكل مستدام. وإن اقتنعنا بما يقال عن أن فاقد الشيء لا يعطيه، فإن الإدارة المتميزة لجوائز التميز تعتبر أمراً حاسماً في تحقيق النتائج المرجوة، وكذلك ما تتطلع إليه الجهات المشاركة.
تتحلق أهداف جوائز التميز حول محاور أساسية يمكن أن نوجزها بثلاثة هي:
- زيادة الوعي حول ممارسات الجودة والتميز المؤسسي كممكن رئيسي لتحقيق النجاح والاستدامة.
- توفير مجموعة من الإرشادات لتطبيق التقييم الذاتي والتحسين المستمر داخل المؤسسات.
- تعزيز المنافسة الإيجابية وتكريم المؤسسات المتميزة.
لا شك أن بعض أهداف جوائز التميز ترتبط بنوع الجائزة نفسه، فمثلاً، في جوائز التميز الحكومية تتركز الأهداف على خلق حالة من المنافسة الإيجابية والتي عادةً لا تكون موجودة في العمل الحكومي، وكذلك توفير أداة للمقارنة المعيارية بين المشاركين تدفع نحو التعلم المؤسسي، وفي بعض الأحيان تنجرف هذه الأهداف إلى المتابعة والمحاسبة وتقويم الأداء الحكومي.
تنقسم جوائز التميز من حيث الجهة التي تديرها إلى ثلاثة أنواع:
- جوائز تدار من قبل جهات حكومية.
- جوائز تدار من قبل القطاع غير الحكومي ولكنها تتلقى دعم حكومي مادي أو تنظيمي.
- جوائز تدار من قبل مؤسسات القطاع الخاص، وهذه الجوائز عادةً لا تتلقى الدعم وإنما تعتمد على رسوم المشاركة وكذلك العضويات.
وبإلقاء نظرة على طبيعة التنوع في إدارة جوائز التميز من حيث الجهة المشرفة، يمكننا استحضار ما وقع عليه بحث أنجز في أوروبا من أن 39% من الجوائز تدار من قبل القطاع الخاص، و22% من قبل القطاع الحكومي، و39% بشكل مشترك، أو من قبل مؤسسات خاصة ولكن بدعم من حكومات تلك الدول.
لو تفكرنا قليلاً في عملية إدارة جوائز التميز بشكل عام، وما تتضمنه من أنشطة، سنصل إلى أنها مرتبطة بشكل أو بآخر بثلاثة فئات من أصحاب العلاقة هم: المؤسسات المشاركة، المقيمين، والجهة المشرفة على الجائزة، ولا تستقيم إدارة الجوائز إلّا بالتميز في إدارة العلاقة مع الجهات الثلاثة المذكورة، فكيف يتأتى ذلك؟
العلاقة مع المقيمين
تلعب عملية التقييم دوراً محورياً في بناء سمعة الجائزة ككل، وكذلك نسج الثقة بين المؤسسات وإدارة الجائزة. ويتوجب على القائمين على جوائز التميز بذل جهد كبير في استقطاب مجموعة من الكفاءات والخبرات، وتأهيلهم كمقيمين، والحفاظ على العلاقة معهم أطول فترة ممكنة، مع العمل على تنمية وتحديث قدراتهم بشكل مستمر، وترك الباب مفتوحاً لضم خبرات جديدة بشكل مستدام.
وترتبط العلاقة مع المقيمين بطريقة التقييم نفسها، فنلاحظ اعتماد بعض الجوائز على التقييم الإلكتروني (عن بعد) وهنا عادة ما نشهد ممارسات مثل التقييم الجماعي المتكرر من قبل عدد كبير من المقيمين للجهات المشاركة، ويتم احتساب نتائج التقييم على أساس المتوسطات، وهذا التوجه غير شائع في غالبية الجوائز لعدة أسباب نذكر منها: افتقاره إلى التواصل وجهاً لوجه او حضورياً مع المؤسسات المتنافسة، فقدان التنسيق والتوافق بين المقيمين ما يؤدي إلى علاقة قصيرة ومتقطعة مع إدارة الجائزة والتي عادةّ ما تكون علاقة غير مباشرة.
أما التقييم القائم على التواصل المباشر فغالباً ما يتم بأحد طريقين:
- تكوين مجموعة من الفرق وتكليف كل منها بتقييم مؤسسة مشاركة أو مجموعة من المؤسسات وهذا هو الغالب.
- أو تشكيل فريق مركزي يقوم بتقييم جميع المشاركين.
ولغرض اختيار المقيمين المناسبين، تضع الجوائز قدرات على المقيمين المرشحين امتلاكها مثل:
- القدرة على فهم طبيعة عمل المؤسسة الخاضعة للتقييم، وتحليل البيانات المتوفرة عنها للحصول على تصور واضح عن وضع المؤسسة.
- القدرة على العمل ضمن فريق والتواصل بشكل جيد شفاهة وكتابة، كما وتقديم تغذية راجعة مناسبة.
- الاطلاع على معايير وآلية التقييم واستيعابها بشكل جيد.
وتتطلب بعض جوائز التميز تدريباً ملزماً أو النجاح في اختبارات محددة للتمكن من المشاركة في عمليات التقييم، بينما لا تشترط جوائز أخرى ذلك، وإنما تقرر اعتماداً على معايير هي:
- الخبرة العملية.
- المؤهلات.
- التميز المهني بمفهومه الأوسع من الخبرة لجهة القيام بالعمل بشكل متكرر لفترة من الزمن مع الحفاظ على تقديم نتائج جيدة.
وتختلف الجوائز في تركيب فريق التقييم الأمثل من حيث العدد والخبرات، فبعضها يذهب إلى الاعتماد على مقيمين فقط، وبعضها الآخر يضيف إلى الفريق بعض المتخصصين في مجالات عمل الجهات المشاركة، وبشكل عام تتراوح أعداد أعضاء فرق التقييم ما بين ٤ إلى ٧ مقيمين.
وعندما يتعلق الأمر بالمقابل الذي يحصل عليه المقيمون فنجد اختلافاً ما بين مقابل مادي حيث تقوم بعض الجوائز بدفع أجور للمقيمين، أو أن يلجا بعضها إلى دفع مبالغ رمزية كنوع من التشجيع وإظهار الامتنان، أو توزيع هدايا عينية، كما أن البعض يكتفي بمنح المقيمين شهادات مشاركة حيث ينظر إلى عملية التقييم كعمل تطوعي يندرج تحت غطاء التطوير الشخصي. ويبقى الأسلوب الأمثل لتحفيز المقيمين بين يدي إدارة الجائزة لتقريره، لأنه يرتبط بعدة متغيرات تختلف بين الجوائز، فنرى التحفيز المعنوي يحقق أفضل النتائج في جائزة معينة، بينما يعتلي المقابل المادي سلم التحفيز في جائزة أخرى، وتجد جائزة ثالثة ضالتها في تقديم مزيج من أكثر من محفّز.
من نافلة القول هنا، أن التدريب والخبرة العملية التي يحصل عليها المقيمون خلال المشاركة في جوائز التميز هي خبرة نوعية ونادرة، حتى أن أحد الدراسات الأكاديمية المشتركة بين جامعتي ألستر في المملكة المتحدة وويسكونسن في الولايات المتحدة الأمريكية قامت بوصفها حرفياً بأنها “خبرة فريدة، رصينة، عملية، وقيّمة”.
العلاقة مع الجهات المشاركة
إن إقبال المؤسسات على المشاركة في جوائز التميز الاختيارية يعود لعدة عوامل، منها ما تبذله إدارة الجائزة في سبيل تحقيق تواصل فعال مع المؤسسات، ويبتدأ ذلك بأعمال التوعية والتسويق، إلى ورش العمل والتدريب على تحقيق متطلبات المشاركة، مروراً بالدعم اللوجستي والفني، وصولاً إلى توفير بيئة معرفية محفزة تتضمن الاطلاع على أفضل الممارسات.
على إدارة الجوائز أن تأخذ بالاعتبار متطلبات المؤسسات وقطاعات الأعمال المستهدفة عند وضع القواعد الناظمة للمشاركة، وذلك لحثها على تكرار المشاركة وتجنب العزوف عن الجائزة بعد المحاولة الأولى، خلصت دراسة تم إجراؤها في السويد إلى أنه على المؤسسات الراغبة في الحصول على نتائج دائمة، عدم الاكتفاء بالمشاركة في جوائز الجودة والتميز لمرة واحدة فقط، بدلا من ذلك ينبغي عليها المشاركة عدة مرات، مع ترك ما يكفي من الوقت بين كل مشاركة والأخرى من أجل استكمال أكبر عدد ممكن من مشاريع التحسين الناتجة عن التقييمات، وقد تم وصف مشاركة المؤسسة مرة واحدة فقط بالاستخدام غير الحكيم للموارد حيث أنه على الأقل تحتاج المؤسسة إلى مشاركتين لتتمكن من قياس التحسن المحقق.
كذلك يجب أن تكون حاجة المؤسسات حاضرة عند تقرير فئات الجوائز، فمن شأن الموائمة السليمة بهذا الخصوص أن تنعكس إيجاباً على كم ونوع المشاركات، وبشكل عام تقوم إدارة الجوائز بتخطيط الفئات وأنواع الجوائز اعتماداً على المعايير التالية:
- حجم المؤسسات المشاركة (كبيرة، متوسطة، صغيرة، متناهية الصغر)
- نوع المؤسسة (حكومية، خاصة، نفع عام)
- مجال النشاط (خدمات، صناعة، …. الخ)
- مكان النشاط (مدينة، دولة، منطقة)
- حسب درجة التقييم جوائز ماسية، ذهبية، فضية، الخ.
- او بخليط يجمع أكثر من معيار.
كذلك فإن حساسية إدارة جوائز التميز اتجاه القطاعات والمؤسسات المستهدفة من شأنه التأثير على دورية الجائزة، فنرى بعض الجوائز سنوية، وبعضها كل سنتين، أو خلاف ذلك. ولا يمكن الجزم نظرياً بالدورية الأمثل لكل جائزة، وإنما يرتبط ذلك إلى حد كبير بخصائص مجتمع الأعمال في الدولة المعنية، وكذلك الأهداف المنوطة بكل جائزة على حدا، ونلاحظ أنه في بعض الدول تطلب إدارة الجائزة من قبل المؤسسات الراغبة في المشاركة إنجاز تقييم ذاتي وتشترط الوصول إلى حد أدنى من النقاط، الأمر الذي من شأنه ضمان منافسة قوية خلال عمليات التقييم.
ومن ضمن المسؤوليات التي تقع على عاتق فرق عمل جوائز التميز، نشر ثقافة التحسين المستمر والتطوير عوضاً عن ثقافة الفوز بالجوائز واعتلاء المسارح، وهذا يتطلب بشكل خاص العمل على إنتاج تقارير تعقيبيه عالية المستوى تمس جوهر فرص التحسين لدى المؤسسات المشاركة، ومعظم الجوائز تركن إلى المراجعة الداخلية، أو إلى لجنة فنية، أو لجنة تحكيم لتحقيق التناسق والموائمة بين مخرجات عمليات التقييم، ولتقديم القيمة الحقيقية المتوخاة من جوائز التميز للمؤسسات.
إن العلاقة بين الجهات المشاركة وإدارة جوائز التميز ليست ذات اتجاه واحد، فعلى المؤسسات الفائزة مسؤولية في إنجاح الجوائز ودعمها لتحقيق أهدافها، ويتمثل ذلك في مشاركة الخبرات وأفضل الممارسات، وكذلك نشر مفاهيم ومعايير الجائزة على نطاق واسع داخلياً وخارجياً وبيان أثرها في تطوير العمل وتسريع الإنجاز.
العلاقة من الجهات العليا
تولي الجهات العليا والمشرفة على برامج التميز اهتماماً بأثر تلك الجوائز، وما حققته من حالة مجتمعية إيجابية، والطريقة البديهية للوصول إلى ذلك هو قياس المخرجات، وهنا علينا الاعتراف أن قياس مخرجات برامج التميز وأثرها أمراً ليس باليسير، ويقع على عاتق إدارة الجوائز وضع مجموعة مناسبة من المؤشرات تتخطى ما اعتدنا رؤيته مثل ازدياد عدد المشاركين واستبيانات الرضا.
وكذلك تقوم الجهات العليا بالتخطيط للعدد الأنسب من الجوائز المطلوبة بحيث تحقق الموازنة الأمثل، فمن جهة تساعد الجوائز المتنوعة في خلق حراك من التميز والطموح البنّاء، إلا أنه من جهة أخرى وجود الخيارات المختلفة يدفع بالمؤسسات إلى المشاركة في الجوائز التي توفر لها الفرصة الأكبر في الفوز، وقد وجدت دراسة بحثية تم إنجازها في سويسرا، أن زيادة عدد برامج التميز يتناسب عكساً مع القيمة الاعتبارية للفوز بالجائزة. ويبرز دور الجهات الناظمة هنا في تحقيق الارتباط ما بين الجوائز، فنرى في بعض الدول ارتباطاً عمودياً بحيث تحتاج المؤسسة للفوز بجائزة معنية لتتمكن من المشاركة في الجائز الأعلى، أو يكون هذا الارتباط أفقياً كما في دول أخرى فتخصص كل جائزة لمنطقة معينة، وتلتزم كل مؤسسة بالمشاركة في الجائزة المتاحة.
الحاجة إلى المزيد من العمل
لا شك أن فرق العمل المسؤولة عن العديد من الجوائز تقوم ببذل جهود مضنية في الاتجاه الصحيح، وبعضها حقق إنجازات لافتة ومستحقة، ولكن بما أن رحلة التميز هي الغاية والمقصد – وبالإضافة إلى ما قمنا بتضمينه من نصائح في متن المقال – نرى أنه على إدارة الجوائز بذل مزيداً من العمل لتحقيق التالي:
- نشر أبحاث رصينة مرتبطة بتجربتها في ممارسة الجودة والتميز المؤسسي.
- إطلاق برامج تدريبية ونظم إدارة على مستوى وطني والعمل على تفعيلها بشكل مناسب.
- التطوير المستمر في المعايير، الفئات، وآليات التقييم.
- وضع ضوابط فعالة وعملية لتحسين مخرجات الأنشطة الهادفة إلى نشر أفضل الممارسات.
- تعظيم أثر الفوز في جوائز التميز من خلال تقديم مزايا إضافية للفائزين ترتبط بإعفاءات من رسوم معينة أو تفضيلات في بضع المعاملات.
- تضمين بعض أفضل الممارسات في تقارير التغذية الراجعة.
بالطبع من الممكن التوسع أكثر في أنواع الجوائز لتشمل الجوائز المخصصة للأفراد، والمشاريع، والأعمال المجتمعية، وغيرها. إلا أننا رأينا التركيز على الجوائز المؤسسية في هذا المقال لأثر ذلك في حسن التشخيص وتقديم الاقتراحات.
كذلك آثرنا عدم التطرق إلى جوائز التميز الداخلية التي تنشئها المؤسسات وتستهدف وحدات العمل والموظفين، ومن الملاحظ وجود خلط كبير بينها وبين جوائز التميز المؤسسية، حيث تظن بعض المؤسسات أنها متشابهة وقابلة للتطبيق من حيث المعايير والفئات بقليل من التعديل، إن هذا الواقع بحاجة إلى تفنيد وطرح متأني ربما نفرد له مقال خاص.
نهايةً، لابد من التأكيد أن تصميم وإدارة جوائز التميز يجب أن يعتمد أولاً على الحاجة، وعلى النظرة المستقبلية لمجتمع الأعمال والمؤسسات، وكذلك ما هو متوفر من موارد، على أن يتكفل فريق العمل بموائمة جميع ما يلي ذلك لتحقيق المطلوب.