مررت في أحد الكتب على نصيحة يوجهها أعرابي من بدو الصحراء إلى ولده وهو على فراش المرض فيقول له: يا بني، احرص في حياتك على تناول أفضل الطعام، وأعذب الشراب، وركوب أجود المطايا.

استغرب الولد من نصيحة والده وقال له: من أين لنا يا أبي أن نجد أفضل الطعام والشراب والدواب ونحن نعيش في هذه الصحراء القاسية. عندها أسرّ له والده بأنه عندما يأكل بعد جوع فإن أي طعام سيجده الأفضل، وعندما يشرب بعد عطش فإن أي شراب سيكون الأعذب، وعندما يركب بعد أن يضنيه السير فإن أي دابةٍ هي الأجود.

قد يبرر الجوع أن نأكل ما توفّر أمامنا من الطعام ضر أم نفع، وقد نقوم بذلك واعين قاصدين أو ساهين شاردين.

أفهم تماماً سلطة الجوع وجبروته على النفس الإنسانية، ولكني لا أفهم جبروت الجوع المهني علينا، فلماذا عندما يحتاج أحدنا إلى تعلّم شيئاً ما يتصرف كمن يتضور جوعاً ولا يفرّق بين الغث والسمين؟ فيقوم بالتهام ما تقع عليه يداه حول هذا الموضوع ليكتشف متأخراً أن جلّ ما قرأه وتعلّمه واطلع عليه لا يستحق، وأنّه لو استثمر بعض وقته في البحث والتدقيق في المصادر الموثوقة والمحتوى الرصين لاختصر على نفسه الكثير من الوقت والجهد، ووصل وجهته المعرفية بشكل أسرع.

البعض لا يعاني من سوء اختيار الطعام المهني فحسب، ولكنه أيضاً مصاب بالشراهة فهو لا يعلم متى عليه أن يتوقف عن الأكل، فتراه يريد أن ينجز عملاً ما فيبدأ في البحث في موضوع هذا العمل، إلى هنا وكل شيء على ما يرام ولكنه يستمر في البحث والبحث ليجد نفسه وقد داهمه وقت التنفيذ واقترب الأجل، ما يضطره إلى الاستعجال لينتهي إلى مكان غير ذلك الذي أحب وتمنى.

تذكّر أن بحور العلم غنية متنوعة، بينما البيداء صلبة قاسية، فاغرف من المعارف حاجتك، واحرص على اغتراف الأفضل والأجود.