دعني أسألك بدون مقدمات: هل أنت قادر على أداء أكثر من مهمة في وقت واحد؟
على الأغلب ستقول نعم أنا قادر، أو أن تقول لا أستطيع ولكنك تهمس لنفسك سراً: أنا أستطيع بالطبع ولكنني إنسان متواضع.
من الأمور الواضحة والمثبتة أن الإنسان غير قادر على القيام بعدة مهام في وقت واحد بنفس الجودة والإتقان مقارنةً مع قيامه بكل مهمة على حدا.
هذه الخلاصة ليست بالأمر الجديد ولا بالاكتشاف الطازج، ففي عام 1999 أجرى كل من كريستوفر شابريس ودانيال سيمونز من جامعة هارفارد دراسة شهيرة بأن طلبا من المشاركين مراقبة مجموعة من الطلاب يتناقلون كرة سلة فيما بينهم بشكل دائري، وأن يقوم المشاركون بعدّ الطلاب الذين يتناقلون الكرة. فشل معظم المشاركين في ملاحظة شخص يرتدي زي غوريلا يسير ضمن الدائرة.
أحدثت نتائج هذه الدراسة الكثير من ردود الفعل وضجة كبيرة في الأوساط الأكاديمية والمهنية، حتى أن الباحثان أصدرا كتاباً بعد عشر سنوات مبني على نتائجها.
من القناعات التي تهزّها هذه التجربة أيضاً ما يتناقله البعض بأن الإناث لديهن قدرة على القيام بعدة مهام في وقت واحد وبجودة عالية، وأن الذكور غير قادرين على ذلك. لا أدري ما إذا كان التمسك بهذه التعويذة لرغبة الإناث في إبراز جسامة ما يقمن به من أعمال – وهي جسيمة بالفعل – أم لرغبة بعض الذكور بالتملص من بعض الأعمال على اعتبار أنهم ليسوا قادرين بطبيعتهم على أداء مهام متعددة معاً.
ربّما كان للأمر علاقة بمحدودية الانتباه لدينا، فنحن لسنا قادرين على تركيز انتباهنا على كل شيء نراه وإنما نختار أجسام محددة، وكذلك الذاكرة المشوّهة التي نختزنها لبعض الأحداث بعد أن نضيف للوقائع التي نراها من مشاعرنا وأحاسيسنا وقناعاتنا السابقة.
في المرة القادمة التي تجد نفسك في العمل تقوم بمهمتين معاً، أو تطلب من أحدهم ذلك، اترك واحدة منهما أو تصالح مع نفسك وتقبّل نتائج متواضعة في أحدهما على الأقل.
اترك تعليقا