قد ترّن في أذنك اليمنى عبارة من قبيل: نظروا إليه على الرغم من علمه وخبرته فإنه متواضع جداً. وبعد وقت ليس بالطويل قد يرن في أذنك الأخرى سؤال: لا أدري لماذا يقبل التقليل من قيمته ووضع نفسه في هكذا مواقف؟

على الجميع على أن يكون متواضعاً من حيث المبدأ، وكذلك الأمر على الصعيد المهني. فالتواضع يعكس الثقة بالنفس كما أنه يتناسب طرداً مع الذكاء والمعرفة والخبرة.

هذا ناهيك عن أن التواضع متطلب أساسي للتعلم واكتساب المعارف، فمهما بلغت من العلم والخبرة فأنت بحاجة إلى أن تتعلم وتحدث معارفك، ولن يتأتى لك ذلك بدون التواضع، وقد عالجت هذا الموضوع في مقال مطوّل منشور بعنوان “معضلة التعلم لدى الخبراء”.

 إذا اتفقنا على أن التواضع أمر واجب ومطلوب، بقي علينا أن نفرّق بينه وبين السذاجة، فمن السهل أن ينزلق المتواضع إلى درجة السذاجة.

من المهم لك أن تعرف كيف ومتى ومع من تتواضع. يجب أن تستغل كل فرصة تتاح لك لتتواضع، وأكثر ما يحضرني هنا لوصف التواضع المهني هو البساطة، فكلما كنت بسيطاً في تعاملك مع الآخرين كلما اقتربت من التواضع، فتنطلق من قاعدة أننا جميعنا بشراً ومتساويين بغض النظر عن شهاداتنا أو خبراتنا أو مناصبنا.

احذر أن تتواضع مع الشخص الخطأ لأنه سيستغل تواضعك ويعتبرك ساذجاً، كذلك احذر أن تبالغ في التواضع لأنك ستفقد عندها القدرة على التحكم وتترك انطباعاً بضعف الشخصية وقلة الثقة بالنفس.

جميل أن تحشر نفسك في أحد المحاضرات في مقعد هامشي، وتتعرف على من بجانبك، وتمازح النادل، وما أن تعتلي المنصة حتى تصول وتجول وتفضي وتبحر وتنير. وحين تنتهي، تعود باحثاً عن مقعدك البعيد إن كان مازال شاغراً.

هناك شعرة تصل بين التواضع والسذاجة، إن وجدتها مرتخية فشدها، وإن وجدتها مشدودة فارخها.