أينما نقلّت ناظريك في أدبيات الإدارة والابتكار، سترى التنفيذ متصدراً العناوين، ومتسلقاً قمم الأعمدة، ومعتلياً رؤوس الفقرات.
الفكرة بدون تنفيذ لا تساوي شيئاً، والابتكار هو بالأثر والنتائج، وغياب التطبيق يضع عصاً غليظة في عجلات الجودة والتحسين المستمر، ويشوش على رادارات التميز، كما أنه يحرف مساطر التقييم.
بالنسبة لي، فأنا مقتنع بأهمية التنفيذ المطلقة وضرورته الملحة، حتى أني لا أمانع أن أكتب كلمة التنفيذ بخط الثلث على لوحتين كبيرتين أضع أحدهما أمامي لأراها دائما، والأخرى خلفي ليراها من يراني.
ولكن أمام بحار ومحيطات التنفيذ هذه، هل يضيرنا شيئاً إذا ما التفتنا ولو قليلاً إلى أصحاب الأفكار الذين لم ينفذوا أفكارهم، أنا نظرت وقد رأيت جدول صغير عذب هنا، وساقية رقراقة هناك.
ليس كل صاحب فكرة غير منفذة هو إنسان كسول، أو منظّر يسبح في فلكه الخاص، أو معتزل في برج عاجي. العديد من أصحاب الأفكار المشبعة زعزعةً وإبداعاً لم يكتب لهم وضعها موضع التنفيذ، وذلك لأسباب خارجة عن إرادتهم كحظ عاثر لحق بهم، أو ظلم وقع عليهم.
اخترع كل من وليام كوك وتشارلز ويتستون التلغراف الكهربائي قبل صموئيل مورس بأعوام، وهناك عشرات براءات الاختراع المسجلة للمصباح الكهربائي قبل قيام توماس أديسون بذلك، ولكنه كان يتميز بمهارات التسويق والعلاقات العامة الأمر الذي رسّخ فكرة أنه صاحب هذه الاختراع. كما أن أنطوني ميوتشي اخترع آلية عمل الهاتف قبل ابراهام بيل وأرسل اختراعه لتسجيله في مكتب براءات الاختراع ولكن طلبه تأخر سنتين ومن ثم أخبروه أنه قد فقد.
من القصور بمكان أن نستخدم اللونان الأبيض والأسود فقط عند تناول موضوع الأفكار والتنفيذ، فكم من فكرة مغرقة في الجفاف والتنظير ألهمت الكثيرين ليشقوا بمعاولهم خنادق وقنوات، ولينقشوا أعمالاً ما زالت شاخصة على جدار التاريخ.
احترم فكرتك، اسقها وشذبها واعتني بها، عسى أن تورق تنفيذاً وأثراً.
اترك تعليقا