منذ ظهور مفهوم التمكين في النصف الثاني من القرن الماضي، وانتشاره في الأوساط الاجتماعية والعمالية والحقوقية، اخذ مكانة كبيرة في العلوم الإدارية وأصبح من المواضيع الساخنة التي قبعت على رأس العديد من المؤتمرات والمقالات وورش العمل.
يُعنى التمكين الإداري بمنح الأفراد الصلاحيات والأدوات التي تساعدهم على المشاركة في اتخاذ القرار، وتسمح لهم بالقيام بعملهم بقدر أكبر من الاستقلالية ما يؤدي إلى تحسين أدائهم وزيادة رضاهم وإنتاجيتهم.
في خضم هذا التيار الجارف نحو التمكين، يبدو أنه قد تم إغفال الجانب الآخر له والمتمثل في النتائج السلبية التي يمكن أن يؤدي لها، والتحديات التي يمكن أن يخلقها في بيئة العمل الإداري.
لا يهمني حقاً في هذا المقال أن أرفع راية التمكين وأن أصفق وأهلل لهذه الممارسة، فلها من الأنصار ما يجعلها بغنى عن دعم إضافي، ولكن يهمني أن أدعم التمكين بطريقة أخرى وذلك من خلال رفع راية التحذير من الآثار الجانبية له، وإني لأجد في ذلك وقعاً أكبر ونفعاً أعظم.
التمكين كأداة هدم
يتحول التمكين في بيئة العمل من ممارسة حميدة إلى أداة هدم عندما لا يتسق مع الهيكلية الإدارية المطبقة داخل المؤسسة، فمنح الصلاحيات بحاجة إلى قدرة أكبر على التواصل العمودي والأفقي، كذلك فهو بحاجة إلى مرونة كبيرة بحيث لا يبدو جميلاً على الورق وفي القرارات وشنيعاً على أرض الواقع.
التمكين كرافعة للغرور
كذلك من شأن التمكين الجماعي للموظفين ظهور الغرور والتكبّر عند بعضهم، فالموظفين في النهاية هم بشر تتنازعهم المشاعر الإنسانية، ويحملون قيم شخصية متباينة، فنرى بعضهم يضرب بسيف التمكين يمنة ويسرى فيحصد بدل أن يزرع، ويقطع بدل أن يوصل.
التمكين في الشرق ليس كما في الغرب
كذلك أشير إلى نقطة هامة في موضوع التمكين تفوت الكثيرين، وهي أن التمكين الوظيفي مرتبط بالثقافة المؤسسية والمجتمعية، وبما أن هذا المفهوم قد ظهر في الدول الغربية فإن أخذه كمسلمة وتطبيقه كما في الدول الأخرى ليس من منابع الحكمة. هناك عدة دراسات أنجزت في هذا الموضوع في دول أسيوية ووجد بعضها أن للتمكين أثر سلبي على الالتزام التنظيمي.
نافلة القول
من نافلة القول أنه علينا النظر إلى التمكين بتعقّل وتدبّر، وأن نحرص على قطف ثمار هذه الممارسة دون أن ندمي الشجرة أو نكسر فروعها.