ربما تعتقد أن حصول كل فرد على راتب شهري بغض النظر ما إذا كان يعمل أم لا هو ضرب من الخيال، أن نوع من الفانتازيا الإدارية.

اسمح لي أن أقول لك أن هذا الفكرة أصبحت اليوم أكثر قابلية للتنفيذ من أي يوم مضى، وذلك نتيجة عدة عوامل أهمها الصعود المهيب للذكاء الاصطناعي، والأتمتة المتسارعة للعديد من الوظائف والأعمال، كذلك التجمّع المفرط للثروات في أيد حفنة قليلة من الشركات ورجال الأعمال، ربما يكفي أن أشير هنا إلى أن 26 شخص في العالم يملكون ثروة أكبر مما يملكه نصف سكان الكرة الأرضية أي أكثر من حوالي 3.6 مليار نسمة.

فكرة الراتب الأساسي للجميع ليست فكرة جديدة كما يظن الأغلبية، فلو عدنا قليلاً في التاريخ لوجدنا عدد من المبادرات المشابهة، فتوماس مور منذ أكثر من 500 سنة طالب بأن يتلقى كل شخص راتباً كأسلوب أكثر فعالية لمكافحة السرقة.

لم يتوقف الأمر عند طرح الراتب الأساسي للجميع كفكرة، بل قامت عدة دول خلال الخمسين سنة الماضية بإجراء تجارب فعلية لتطبيق هذا النظام كتلك التي أجريت في فنلندا وكندا والهند ودول أخرى.

قد تثور في رأسك عدد من الشكوك والأسئلة من قبيل: لماذا نعطي الشخص الذي لا يملك مالاً راتباً مثله مثل غيره من المجتهدين الذي يحققون دخل يكفيهم؟ هذا سؤال شائع كونه مرتبط بأحد المحاكمات الخاطئة في المجتمع وهي أن الأشخاص الفقراء هم الذين لا يعملون بجهد كافٍ، هذا الفكرة آخذة بالتفكك كونها غير قادرة على الصمود أمام ما نشهده من تطورات هائلة.

أضف إلى ذلك أن عدة دراسات قد أظهرت أن منح رواتب ثابتة أو قروض متناهية الصغر للأفراد تدفعهم نحو المساهمة الفاعلة في القيام بأعمال نافعة أو الاستثمار في مشاريع ناجحة.

كذلك قد تسأل من أين سيتم تمويل هذه الرواتب؟ هناك عدة حلول قدمها عدد من الاقتصاديين مثل فرض ضرائب على الروبوتات والأنظمة الذكية، أو تمويلها من الأرباح الهائلة للشركات التكنولوجية العملاقة، أو من المبالغ التي سيتم توفيرها من برامج الإعانة والدعم الاجتماعي.

لقد أصبحت فكرة الراتب للجميع أقرب للتحقيق من أي وقت مضى، لننتظر ونرى.